ما السورة التى نزلت جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح ؟
من المعلوم أن سورة الأنعام مكية وقد نزلت جملة واحدة -على أرجح الأقوال- وحولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح.
والواقع أن سياق السورة في تماسكه وتدافعه وتدفقه يوقع في القلب أن هذه السورة نهر يتدفق، بلا حواجز ولا فواصل. هذا الموكب، وهذا الارتجاج، واضح ظلهما في هذه السورة، إنها هي ذاتها موكب ترتج له النفس والكون، زحمة من المواقف والمشاهد والإيقاعات تشبه مجرى النهر المتدافع بالأمواج المتلاحقة، ما تكاد الموجة تصل إلى قرارها حتى تبدو الموجة التالية ملاحقة لها، ومتشابكة معها في المجرى المتصل المتدفق، وفي كل موجة تبلغ حد “الروعة الباهرة بالإيقاع التصويري والتعبيري ومواجهة النفس من كل درب ومن كل نافذة”.
وهي نموذج كامل للقرآن المكي تمثل خصائصه ومنهجه مع احتفاظها “بشخصيتها” الخاصة؛ فلكل سورة شخصيتها، وملامحها، وطريقة عرضها لموضوعها الرئيسي. إنها في جملتها تعرض “حقيقة الألوهية” في مجال الكون والحياة، والنفس والضمير، ومشاهد القيامة، ومواقف الخلق، وتطوف بالنفس البشرية في ملكوت السماوات والأرض، وتقف بها على مصارع الأمم الخالية، ثم تسبح بها في ظلمات البر والبحر.. حشد كوني يزحم أقطار النفس.. ثم إنها اللمسات المبدعة المحيية فإذا بكل مألوف من المشاهد والمشاعر، جديد نابض، كأنما تتلقاه النفس أول مرة.
قضية الألوهية والعبودية
هذه السورة تعالج قضية العقيدة الأساسية؛ قضية الألوهية والعبودية، تعريف العباد برب العباد.. من هو؟ ما مصدر هذا الوجود؟ من هم العباد؟ من جاء بهم إلى هذا الوجود؟ من يقلب أفئدتهم وأبصارهم؟ ولأي شيء خلقهم؟ هذه الحياة المنبثقة هنا وهناك.. من بثها في هذا الموات؟
هذا الماء الهاطل.. هذا البرعم النابغ.. هذا الحب المتراكب.. هذا النجم الثاقب.. هذا الصبح البازغ.. هذا الليل السادل.. هذا الفلك الدوار.. من وراء هذا كله؟
هكذا تطوف السورة بالقلب البشري في هذه الآفاق والأغوار على منهج القرآن المكي الذي يهدف إلى تعريف الناس بربهم الحق؛ لتصل من هذا التعريف إلى تعبيد الناس لربهم الحق، تعبيد ضمائرهم وأرواحهم، وتعبيد سعيهم وحركتهم، وتقاليدهم وشعائرهم لسلطان الله الذي لا سلطان لغيره.